arablog.org

الحرية

الحرية بالنسبة لي هي كما عرفها لي ذات مساء كهل الخمسين .. لحظة دعوني أقص عليكم القصة من البداية ..

إلتقيته فجأةً من جديد .. نعم إلتقيته .. ذلك الكهل كث اللحية طويل الشعر ذو العينين الجوهرتين ..
ثلاث شهور أو يزيد من الغياب .. تغيرت فيها أنا إلى ابعد الحدود ( أو هكذا أضن ) .. ولم يتغير فيه هو شيء (أو هكذا بدا لي) ..
لم يكن لقاءا مرتباً لكنه كعادته لم يتفاجأ ورسم بهدوء ابتسامته المعهودة ..
” أهلا .. طال غيابك ..” بصوت خافت قالها ثم أردف : “و إن كنت تعرف أن الغياب عندي غير هذا الغياب”
قلت : “أعرف وتعبت من كوني أعرف ..”
قال : “يبدو أنك رجعت منهكا .. أهي إستراحة محارب ؟”
قلت : “بل فشلٌ في طريق البحث عن الحرية يستوجب إعادة النظر”
قال بتهكمٍ لم أعهده فيه : ” البحث عن الحرية ؟؟ why so serious ؟؟ “
نظرت إلى أخر الطريق .. فأكمل قائلاً : “كل ما ازدادت ثقافة المرء ..”
أكملت : “إزداد بؤسه ..”
قال : “خطأ .. بل إزداد بأسه .. الضمة غير الفتحة و هنا يكمن الفرق”

أكمل الجملة وتبسم .. كنت أراقب وجهه .. لم ابتسم (عنوةً) و اطلقت زفيراً طويلاً ..
زفيراً خرجت معه كل الشكاوي التي أنهكت قلبي ( أو هكذا أضن ) .. وتبدلت معه تعابير وجهه كمن أدرك وفهم ما أعنيه (أو هكذا بدا لي) ..
“هون عليك” همس إلي.
أجبته : “لم أحزن على ما ضاع من وقت أو جهد .. ولكن أن يضيع كل ذلك وأعود فجأةً لنقطة الصفر في وقت كنت فيه أظن أنني في آخر الطريق .. فهذا مكلفٌ فضلاً عن كونه مؤلم”

طأطأ رأسه و صمت هنيهة كمن يبحث عن إجابة ثم قال :” لنتفق أولا أن لا أحد يعود لنقطة الصفر في هكذا تجربة (بحث عن الحرية) وإن كان ذاك مراده .. ثم من قال لك أن نقطة الصفر بهذا السوء ؟؟ معيارك في الحكم مخطء يا صديقي”
كان يتكلم بسلاسته المعهودة كمن تملى عليه الأفكار إملاءا .. و كنت -مرغما- بحاجة لفلسفاته المعقدة علها تشفي ما في النفس من حيرة واضطراب.
قال وهو يركز بصره على عيناي “قد تسبح في هذا الكون وتتوه وتشقى بحثا عن الحرية .. و تكون ببساطة قد ضيعتها هناك حيث ‫‏الفطرة‬ بنقاءِ منبعها وأناقة لمستِها فينا”
اربكني حديثه كارتباك طفل مخطئ أمام كلمات أب قاس لكنه يقول الحقيقة .. قلت : “أكمل ..”
واصل :” اعلم يا بني أن رحلة البحث عن الحرية ومفهومها .. هي أسمى الرحلات وأشرفها بل وأمتعها وأكثرها إثارة وهي رحلة متواصلة.
الحرية يا بني أن لا تسلم خضوعاً واستكانة !
الحرية أن تفكر ، و تتفحص ، وتراجع ، وتتأكد بنفسك و تتيقن!
الحرية أن تحبو في داخلك لترا نفسك قبل أن تركض خارجاً ليراك الأخرون .
الحرية هي أن تكبح أنفاس هوى النفس في صدرك ! جرب .. لن تخنقك صدقني ! ستصعد بك عالياً فترى الوجود بانورامياً في صورة أوضح لعينيك و أقرب لقلبك ..
الحرية أن تحب الأخرين حباً لا مشروطاً .. حباً لا تصحبه قيود .. هكذا ستتحرر .
وأعلم أخيراً أن زادك في هذا الترحال هو مدى رغبتك الصادقة في التحرر و أن قطاع الطريق في سفرك هذا كثير، هم بالأساس هوى النفس وحب الذات ، الكبر والمصلحة الخاصة فتجرد ‬.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *